الطموح السياسي ودوره في تشكيل ملامح جديدة للجزائر
الطموح السياسي ودوره في تشكيل ملامح جديدة للجزائر
الشباب هم عماد الأمم، ليس لأن الشعارات تُردد ذلك منذ عقود، بل لأن منطق التاريخ يثبت أن النهضات الكبرى، والثورات الفكرية، والتحولات الجذرية، كانت دومًا ثمرة طموح شبابي، وشغف لا يعترف بالحدود. وإذا كانت الجزائر قد أنجبت في السابق رجالًا خلدهم التاريخ في ساحات الكفاح والتحرير، فما الذي يمنعها اليوم من أن تُنجب مفكرين، ومهندسين، ودبلوماسيين، ومصلحين، يصنعون مجدها في ساحات مختلفة؟
إن ما يُزعج حقًا ليس غياب التمثيل الشبابي فقط، بل غياب الرؤية المؤسساتية الجادة التي تُخطط لهذا التمثيل، وتمنحه الأدوات اللازمة ليكون فعّالًا لا صوريًا. فحين نتأمل البنية الوظيفية لكبرى المؤسسات، ونرصد هرم السلطة داخلها، نصاب بالدهشة من ضآلة الفرص المتاحة للشباب، وكأنهم وُجدوا فقط ليكونوا أدوات تنفيذ لا شركاء في القرار.
ليست هذه دعوة إلى التمرد أو القطيعة مع الجيل الأكبر سنًا، بل هي دعوة إلى الحكمة والتكامل. فكما أن الخبرة ضرورية، فإن الدم الجديد لا يقل أهمية. بل إن الجمع بين التجربة والابتكار هو ما يصنع الفارق في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب الناعمة. فالمعركة اليوم ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل حضارية أيضًا.
الشباب الجزائري اليوم لا يفتقر إلى الكفاءة، والدليل على ذلك واضح في نتائجه في المسابقات الدولية، وفي حضوره الفاعل في الفضاء الرقمي، وفي مبادراته الفردية رغم ضيق الإمكانيات. ما يفتقر إليه هو الاعتراف الرسمي بقدراته، ومنحه الفرصة ليبرهن على جدواه، بعيدًا عن فلسفة "الإرث في المناصب"، تلك التي أصبحت مقززة لدرجة تُفرغ فكرة الوطن من معناها الحقيقي.
زمن الشهادات الورقية انتهى، وحان وقت الفعل. لا نحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى فلسفة حديثة تؤمن بأن الشاب ليس مشروعًا مؤجلًا، بل هو القوة الدافعة لأي مشروع وطني مستقبلي. شبابنا لا يحتاج إلى وصاية أبدية، بل إلى توجيه حكيم، وإلى من يفتح له الأبواب لا من يغلقها باسم الخوف أو الريبة.
إننا بحاجة إلى مشروع وطني شامل لإعادة إدماج الشباب، ليس فقط في مؤسسات القرار، بل في كل مفاصل الدولة: من الجامعة إلى الوزارة، من المجالس المحلية إلى المؤسسات الاستراتيجية. ويجب أن يكون هذا الإدماج مبنيًا على الكفاءة لا على المحاباة، وعلى الرؤية لا على الولاء.
في ظل ما يشهده العالم من تغيرات، وتزايد التهديدات الجيوسياسية، فإن أكبر ضمانة لأمننا الوطني تكمن في شباب مؤمن، واعٍ، ومُجهز بكل الوسائل الفكرية والتكنولوجية للدفاع عن وطنه. وهنا، تبرز الحكمة العميقة التي تقول:
"الشباب هم الذخيرة التي تقتل العدو، وتكسر تماسُكه من الداخل، وتطرده خارج الحدود."
هي ليست مجرد استعارة بل توصيف دقيق لطبيعة المعركة القادمة؛ معركة وعي وصمود وإبداع. وحين تكون هذه الذخيرة مركونة على الرفوف، فإن الوطن يخسر أكثر مما يربح.
نحن لا نحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة سياسية حقيقية تقطع مع عقلية التهميش والإقصاء، وتفتح المجال أمام الشباب للمساهمة في بناء الوطن. آن الأوان أن يتحول طموح الشباب من حلم مؤجل إلى واقع ملموس، فكل تأخير في هذا المسار هو تفريط في فرصة ثمينة، وفراغ نتركه لخصومنا ليملؤوه بأجنداتهم.
إن من حق هذا الجيل أن يُمنح المساحة الكافية ليبني، ويخطئ، ويتعلم، ويقود. ومن واجب الجيل الأكبر أن يرافقه لا أن يُقصيه، أن يُرشده لا أن يُغلق عليه أبواب الأمل.
فلنخرج من عباءة الخوف، ولنفتح نوافذ التغيير. الجزائر التي نحبها ونحلم بها، لن تُبنى إلا بأيدي شبابها، وبعقولهم، وبإرادتهم. وأي مشروع وطني لا يستثمر في هذه الطاقة الهائلة، هو مشروع مآله الفشل.
فليكن إذًا نداءً من القلب والعقل معًا: افتحوا الأبواب، وسلّموا المشعل، ودعوا هذه الذخيرة الحية تدافع عن الوطن بشرف وكفاءة. لأن من لا يستثمر في شبابه، يُفرّط في مستقبله.
الكاتب /لمين مساسط🇩🇿💚
تعليقات
إرسال تعليق