جيل على حافة الانهيار: أزمة وعي أم سوء تسيير؟
جيل على حافة الانهيار: أزمة وعي أم سوء تسيير؟
نحن نعيش مرحلة دقيقة في تاريخ الجزائر، حيث بات الشباب يشعر بأنه جيل ضائع بين أحلامه المحطمة وواقع يزداد قسوة كل يوم. لقد تحول الإحباط إلى جزء من الهوية الجماعية لجيل كامل، جيل نشأ على الوعود الكاذبة، كبر وسط أزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة، وظل ينتظر فرصة لم تأتِ ولن تأتي ما لم تتغير قواعد اللعبة. إن الوضع لم يعد مجرد أزمة عابرة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة، جعلت الشباب بين خيارين: إما الاستسلام لليأس والانغماس في دوائر اللهو والمخدرات والهجرة السرية، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع واقع لا يرحم.
الهوية التي يحملها هذا الجيل مشوشة، فهو يتأرجح بين الماضي المثقل بتاريخ الثورة، وحاضر يفرض عليه نماذج جديدة من العيش لا تتناسب مع أحلامه. في ظل هذا التشويش، أصبح من السهل التلاعب بالشباب، سواء عبر وسائل الإعلام التي تروج لخطابات زائفة، أو عبر مؤسسات الدولة التي تتعامل معه كمجرد رقم في الإحصائيات لا أكثر. هذا الاغتراب الداخلي جعل الكثيرين يشعرون بأنهم غرباء في وطنهم، لا يملكون سلطة تغيير واقعهم، ولا حتى حق الحلم بمستقبل أفضل.
إن الوضع الاقتصادي هو أحد أبرز الأسباب التي زادت من حدة هذا الشعور. البطالة لم تعد مجرد مشكلة مؤقتة، بل تحولت إلى معضلة هيكلية، تجعل الشاب الجزائري يواجه خيارين أحلاهما مر: إما القبول بوظائف لا تليق بمؤهلاته، أو انتظار فرصة قد لا تأتي أبدًا. وبينما تكافح الدول المتقدمة لتطوير قدرات شبابها والاستثمار فيهم، نجد أن النظام الاقتصادي في الجزائر لا يزال غارقًا في البيروقراطية والفساد، مما يجعل أي محاولة فردية للنجاح مغامرة محفوفة بالمخاطر.
الهجرة غير الشرعية ليست مجرد بحث عن المال، بل هي انعكاس نفسي لفقدان الأمل. عندما يقرر شاب أن يركب البحر ويجازف بحياته، فهو في الحقيقة يهرب من واقع لا يرى فيه نفسه. هذه الظاهرة ليست مجرد أرقام في التقارير الأمنية، بل هي صرخة استغاثة من جيل لم يجد أي سبيل آخر للهروب من الحصار الذي فرضته عليه الأوضاع الداخلية.
لكن الأزمة لا تتوقف عند الاقتصاد فقط، بل تمتد إلى العلاقة بين الشباب والدولة. على مدار سنوات، تعاملت السلطة مع الشباب من منطلق الوصاية، فكانت تصدر قرارات فوقية لا تعكس حقيقة احتياجاتهم. كل المشاريع التي وُضعت تحت شعار "تمكين الشباب" انتهت إلى الفشل بسبب سوء التسيير والفساد، مما زاد من فجوة عدم الثقة بين الطرفين. فكيف يمكن لشاب أن يشعر بالانتماء لوطن لا يمنحه أي فرصة للإبداع أو التقدم؟ كيف يمكن أن يكون مواطنًا فاعلًا وهو يشعر بأنه مجرد متلقي للقرارات دون أي دور حقيقي في صياغة مستقبله؟
إن استمرار هذا الوضع يعني أننا أمام خطر أكبر، وهو تحول هذه الطاقة الشبابية إلى قوة معادية من الداخل، سواء من خلال الاحتقان الاجتماعي أو من خلال استغلالهم من أطراف خارجية تبحث عن زعزعة استقرار البلاد. الشباب الذين يفقدون الثقة في مؤسساتهم يصبحون عرضة للتطرف بكل أشكاله، سواء كان تطرفًا دينيًا، سياسيًا، أو حتى فكريًا يدفعهم إلى العدمية المطلقة.
لكن رغم كل هذا، لا يزال هناك أمل. الحل لا يكمن فقط في المطالبة بالتغيير، بل في بناء وعي جديد قائم على المسؤولية والفعل. النهضة التي نحتاجها ليست مجرد إصلاحات سطحية، بل يجب أن تكون ثورة فكرية حقيقية تبدأ من التعليم، وتنتهي بإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع. يجب أن ندرك أن الخروج من هذه الدوامة يتطلب أولًا وقبل كل شيء تغيير طريقة تفكيرنا. التذمر وحده لا يكفي، والهروب ليس حلًا، بل علينا أن نصنع الفرص بأيدينا، حتى لو كان ذلك على نطاق فردي في البداية.
نحن أمام مرحلة حاسمة، وإذا لم نتحرك الآن، فقد يكون الأوان قد فات. السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم ليس "لماذا وصلنا إلى هنا؟" بل "كيف يمكننا الخروج من هذا المأزق؟". لا يمكننا أن نبقى رهائن لهذا الواقع، لأن الاستسلام لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع. علينا أن نقرر ما إذا كنا سنظل جيلًا ضائعًا، أم أننا سنكون الجيل الذي يعيد بناء هذا الوطن، جيلًا لا يستسلم حتى آخر رمق.
الكاتب/لمين مساسط 🇩🇿
تعليقات
إرسال تعليق