تكتل العقل العربي: الجزائر ومفاتيح النهضة الإقليمية
خريطة المغرب العربي (الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب) مع خطوط طاقة واتصال تمتد من الجزائر نحو دول الجوار، وخلفية توحي بالمتوسط وإفريقيا.
"تكتل العقل العربي: الجزائر ومفاتيح النهضة الإقليمية"
الشريط الساحلي الممتد من الشرق الليبي إلى الغرب المغربي ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو جبهة استراتيجية تطل على المتوسط وتربط إفريقيا بأوروبا. هذا الموقع يمنح التكتل المرتقب قوة تفاوضية هائلة، وقدرة على التحكم في ممرات الطاقة والتجارة. إن الجزائر، بمحورها الجغرافي والاقتصادي والعسكري، تمثل القلب النابض لهذا المشروع، نظراً لمساحتها الشاسعة وثرواتها الطبيعية الهائلة، إضافة إلى ما اكتسبته من خبرات عسكرية وأمنية جعلت منها دولة ذات سيادة حقيقية في محيط مضطرب.
لقد أثبتت الجزائر مراراً قدرتها على التصدي للمخاطر، كما شهد بذلك العالم في عملية تيڨنتورين، التي نُفذت بدقة متناهية وكفاءة عالية، لتبرهن على صلابة الجيش الوطني وتماسك أجهزته الأمنية. هذا بالإضافة إلى شراكاتها الاستراتيجية مع قوى عالمية كروسيا والصين، ما يمنحها بعداً دولياً ومكانة محورية في رسم توازنات القوة في شمال إفريقيا. وبالتالي، فإن دعم الجزائر لا يعني فقط تقوية هذا التكتل، بل حماية للمجال المغاربي برمّته من الاختراقات الخارجية.
في المقابل، نلاحظ هشاشة في الوضع السياسي لبعض الدول المغاربية، فالمغرب، رغم تطلعاته التوسعية، يعاني فقراً في الرؤية السياسية الاستراتيجية، كما يفتقر إلى الخبرة العسكرية المتقدمة، ويبقى رهين تحالفات ظرفية مع قوى خارجية لا تخدم مصالح المنطقة بل تسعى لتقسيمها. ليبيا لا تزال ترزح تحت وطأة صراعات داخلية ومؤثرات أجنبية تضعف سيادتها، أما تونس فهي تمر بأزمة اقتصادية خانقة جعلت من قدرتها على اتخاذ قرارات سيادية شاملة أمراً صعباً.
رغم هذا التفاوت، فإن إمكانية التكامل تبقى قائمة، شريطة أن تُبنى على أسس من الوعي المشترك، والاعتراف بأهمية الدور القيادي للجزائر، لا من باب الهيمنة، بل من باب إدراك حجم المسؤولية والتاريخ الذي تحمله الدولة الجزائرية في الدفاع عن السيادة الإقليمية منذ الثورة التحريرية وحتى اليوم. إن دعم الجزائر دبلوماسياً ومواقفياً هو دعم لاستقرار المنطقة، فبغيابها، تعود إفريقيا إلى الحقبة الاستعمارية، وتتحول دولها إلى مستعمرات غير معلنة تخدم مصالح الآخر.
إن الرؤية الاستراتيجية التي يجب أن تجمع هذه الدول لا تقف عند المصالح الاقتصادية أو الأمنية، بل تتجاوزها إلى إعادة بناء الفكر العربي والإفريقي على أساس من الاستقلال الحقيقي والقرار السيادي. وما يحدث اليوم من عدوان سافر على غزة، باستخدام الأسلحة المحرّمة وبشراسة عسكرية لا مثيل لها، يؤكد أن الصهيونية العالمية ليست مجرد احتلال، بل مشروع توسعي يستهدف الأمة جمعاء، ويستثمر في تفرقتها وتناحرها. من هنا، يصبح التكتل المغاربي ضرورة حتمية للوقوف في وجه هذه الوحشية.
وفي خضم هذا الصراع، لا بد من الإشارة إلى أن الخلافات الداخلية بين دول المغرب العربي، وعلى رأسها قضية الصحراء، يجب أن تبقى في إطارها المحلي، لأنها شأن داخلي لا يحق لأي طرف خارجي استغلاله أو التلاعب به. بل على العكس، يجب أن تكون هذه الخلافات دافعاً لإيجاد آليات تفاهم وحلول توافقية تُبنى على المصالح المشتركة لا التنازع. فكلما طالت هذه الخلافات، كلما سهل على العدو اختراق الجبهة الداخلية واستثمار هشاشتها.
وما يزيد من خطورة الوضع، أن الدول الغربية وعلى رأسها الكيان الصهيوني، تغذي النزاعات المحلية داخل الدول العربية لتُبقيها في حالة من الانقسام الدائم، وهذا ما يعكسه الترويج الإعلامي والسياسي لقضايا قديمة بوجه متجدد، فقط لزرع بذور الفتنة. هذا النوع من الصراع المصطنع يخدم مصالح القوى الكبرى التي تجد في التفرقة العربية مجالاً رحباً لبسط نفوذها واستغلال ثرواتها.
بالتالي، فإن المعركة اليوم ليست عسكرية فقط، بل فكرية ونفسية وسياسية. المعركة هي معركة وعي أولاً، تحتاج إلى خطاب عربي ومغاربي موحّد، يُحرّر المواطن من عقلية التبعية، ويزرع فيه حس المسؤولية الجماعية. فحين يُدرك المواطن المغاربي أن قوته تكمن في وحدته، يصبح هو القاعدة التي يقوم عليها كل مشروع تكاملي. ولا يمكن لهذا المشروع أن ينجح دون نخبة سياسية صادقة، ومؤسسات إعلامية تخدم الحقيقة لا الأجندات.
إن الجزائر، بتاريخها النضالي وتوازنها الاستراتيجي، قادرة على لعب هذا الدور المحوري. لكنها لا تستطيع وحدها أن تواجه العاصفة، فلا بد أن تلتف حولها الدول الشقيقة، في رؤية موحدة تنظر للمستقبل بعين واعية. هذا التكتل ليس مجرد حلم، بل ضرورة من ضرورات البقاء والكرامة. فإذا لم نتحد الآن، فمتى؟ وإذا لم نبنِ حصناً لأمتنا، فكم من الأبواب سنُفتح للعدو؟ إن اللحظة التاريخية تستدعي قراراً شجاعاً، والتاريخ لا يرحم المتخاذلين.
الكاتب /لمين مساسط
تعليقات
إرسال تعليق