"ثقافة السحر الأسود: سرطان خفي يهدّد أمن العائلات الجزائرية"

 




السحر الأسود: ثقافة الظلام التي تهدّد أمن العائلات الجزائرية
🚦😡⛔


في بلدٍ ضارب بجذوره في العقيدة الإسلامية، ومتماسك بأخلاقيات المجتمع الأصيل، لم يكن متوقعًا أن تنتشر ظاهرة كالسحر الأسود بهذا الشكل الفجّ والخطير. هذه الممارسة، التي كانت تُعد من الطابوهات المسكوت عنها، أصبحت اليوم واقعًا يُهدّد أمن العائلات الجزائرية ويعبث بمصير الأفراد، دون وازع من دين أو أخلاق.
لقد تحوّلت بعض الكائنات البشرية إلى وحوشٍ حقيقية، تتغذى على طاقة الآخرين، لا لشيء إلا بدافع الغيرة، الحسد، الحقد، أو الرغبة في الانتقام. يُستهدف الشاب الناجح، الفتاة المتفوقة، العريس المقبل على الزواج، صاحب الميراث، أو حتى العائلة المستقرة، من أجل تعطيل مسارهم، وتحويل حياتهم إلى جحيم، عبر ممارسات شعوذية غارقة في الجهل والتوحش.
أصبح السحر اليوم أشبه بمرض روحي خفيّ، لا يمكن تشخيصه طبيًا. فالضحية، رغم زيارته للأطباء وإجراء التحاليل، لا يجد تفسيرًا منطقيًا لما يشعر به: توتر، حزن، كراهية للحياة، آلام جسدية، رغبة في العزلة، تعطّل غير مبرر في العمل أو الدراسة، وربما إصابة بأمراض عضوية خطيرة. الطبيب يحتار، لا لضعف في مهارته، بل لأن العدو غير مرئي... إنه سحر دفن في مقبرة، أو عُلّق على شجرة، أو أُلقي في بحرٍ مظلم.
إن أخطر ما في الأمر أن هذه الممارسات تجد لها مبررات في دواخل الناس: الغيرة من الوظيفة، الحقد على الورثة، الرغبة في الانتقام بعد الزواج، الحسد بسبب الجمال أو المال. ومن هنا، يتحول المجتمع من كيان متماسك إلى حلبة تصفية حسابات روحية، يُستعمل فيها السحر كسلاح تدميري بلا رصاص.
من الجانب الديني، يُعد السحر من أعظم الكبائر. إنه شركٌ بالله، وتمرّدٌ على القدر، وسلوكٌ يشبه ما فعله إبليس حين تكبر على أمر الله. والساحر، حين يحاول التلاعب بمصائر الناس، يظن أنه قادر على تغيير ما كتبه الله، غافلًا عن قول الله تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله".
وهنا، لا بد من دق ناقوس الخطر: نحن لا نتحدث فقط عن ممارسات فردية معزولة، بل عن ثقافة خبيثة بدأت تتغلغل في أوساط المجتمع، خصوصًا مع انتشار المحتوى الرقمي الذي يروّج لما يُسمى "العلاجات الروحانية" و"فكّ السحر" و"جلب الحبيب" وغيرها من الخرافات المربحة.
ما يفاقم الأمر أكثر هو غياب الرقابة الكافية على المقابر، الغابات، الشواطئ، والأماكن المهجورة، التي تحوّلت إلى مسارح لجرائم غيبية لا تُكشف إلا بعد خراب البيوت وتفكك العلاقات.
إن الحلول الجذرية لمواجهة هذا الخطر لا تكمن فقط في الإدانة اللفظية، بل تتطلب خطة شاملة:
حملات توعية دينية واسعة في المساجد، خصوصًا أيام الجمعة، لبيان حرمة السحر وخطورته على الروح والمجتمع.
فرض رقابة أمنية على المقابر ليلاً، وتزويدها بكاميرات مراقبة.
تجريم السحر والشعوذة بقوانين واضحة وصارمة، تصل إلى السجن المؤبد لمن يثبت تورطه.
إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف فضح هذه الثقافة المسمومة، وتنشر قصص الضحايا وأثرها على الأسر.
تشجيع التنسيق بين الرقاة الشرعيين والأطباء النفسيين لمعالجة الضحايا بشكل متكامل.
تحصين الأسر عبر تعزيز الوعي الديني والأخلاقي في المدارس والإعلام.

إن السحر ليس فقط جريمة خفية، بل هو خرقٌ لأمن المجتمع الروحي، واعتداءٌ على قدسية العلاقة بين الناس، وتلاعبٌ مَرَضي بمفاهيم النجاح والفشل.
فلا أمنَ في وطنٍ تُحلّ فيه الخصومات بالتعاويذ، ولا أمل في مجتمعٍ يرى أن النجاح يستحق العقوبة.
ولا بقاء لأمةٍ يعبد بعضُ أفرادها الطلاسم بدل أن يتوكلوا على الله.

 الكاتب/لمين مساسط 🇩🇿




تعليقات

المشاركات الشائعة