"نهدُ غزة.. قصيدة عن الحصار والجوع والمقاومة"

 




نهدُ غزة.. جنازةُ الحليب
.💔.

أعتذرُ جدًّا،
لن أشيرَ إليكِ هذه المرّة،
فالعينُ التي تبكيكِ
يجبُ أن تبقى ساهرةً على الجُرح،
لا تغمضُها المراثي،
ولا تخدعُها الأكفانُ البيضاء.
نهدُ غزة ليسَ جسدًا عابرًا،
إنه وترُ الأرضِ المشدودُ على مقامِ الجوع،
خريطةٌ من العروقِ اليابسة،
طفلٌ يبحثُ في صحراءِ البحرِ عن قطرةِ حليب،
فلا يجدُ سوى ملحِ الخيانة.
أطبقوا عليه حصارَهم،
جعلوهُ صحراءً في حضنِ الموج،
زرعوا الأسلاكَ في حلمِ الرضيع،
وأوصدوا فمَ الحياةِ
بمفتاحِ الجفاف.
في خاصرتِه خنجرُ الجوع،
وفي قلبِه جوعُ الخناجر،
على عتبةِ الدارِ
تجلسُ الخيانةُ متربعةً على الرغيف،
تساومُ على الموتِ بنصفِ حياة.
كان داليةً زاخرة،
صار جنازةً ممددةً على أرصفةِ الصمت،
يشيّعُه الريحُ إلى هاويةِ الرمل،
ويكتبُ البحرُ على صدرِه:
"هذا قبرُ العطشِ المقدّس."
نيابةً عن الحكوماتِ التي نامت على مقاعدِها،
نيابةً عن الإنسانيةِ التي باعت لحمَها في سوقِ الشعارات،
نيابةً عن الصمتِ الذي صارَ دينًا،
أنتم لا تستحقّون الاحترام،
ولا تستحقُّون البكاء.
أرغبُ أن أغرسَ شهوةَ الانتقامِ فوق نهدِ غزة،
أن أنثرَ البارودَ بدلَ الحليب،
أن أُرضعَ الموتَ للغزاةِ،
وأسكبَ من وريدهِ مدادًا
يكتبُ بالدمِ آخرَ صرخة.
لكننا... حين نعزم،
تتساقطُ كلُّ زخةِ مطرٍ رصاصةً،
حين نعزم،
تتحوّلُ كلُّ دمعةٍ مدفعًا،
وكلُّ جرحٍ طريقًا نحو العدو.
كيف أقايضُ نهدَ غزة بجميع النهود؟
كيف أقبلُ أن يُساومَ على الشرفِ
بكسرةِ خبز،
بأوهامِ سلام؟
حتى أنتِ... لا أستثنيكِ،
لا عذرَ للأيدي التي نامتْ على أوجاعِه،
ولا للسواعدِ التي صفّقتْ للخراب.
تعالوا نحجزُ إليه أفواجًا،
لا سياحًا، بل جُندًا يحملونَ وصيّةَ البحر،
نملأُ جرحَه بالحبرِ والبارود،
نرسمُ على صدرِه قوسَ النصرِ الجديد،
علّ الأمهاتِ تُبعثُ من جراحِه،
علّ الأطفالَ يجدون في دمهِ أوطانًا لا تموت.
نهدُ غزة شرفُنا المصلوب،
خريطتُنا التي تسيلُ بدلَ أن تُرسم،
رايتُنا التي تُنكسُ كلَّ فجر،
أمدُّ يدي إليه،
فتعودُ مخضبةً بالخزيِ والخذلان،
بعرقِ الموتى ودموعِ العاجزين.
إن لم تكسروا القيد،
إن لم تُحطّموا الأسوار،
إن لم تجعلوا العطشَ ثورة،
فسيُعتقلُ النورُ في كلِّ العيون،
وسيقادُ الحليبُ إلى المقصلة.
وحينها،
سنودّعُ نهودَ أحبابِنا...
جنازةً، جنازة،
يشيّعُها الليلُ بملابسِ الفجر،
وتنعاها الأرضُ بصوتِ الرصاص.
أيها النورسُ الذي يبتلعُ المدى،
خذ نهدَ غزة معكَ،
ارحلْ بهِ بعيدًا عن فحيحِ التجار،
عن مزاداتِ الحروبِ الرخيصة،
عن مقاعدِ العارِ والمساومة.
لكنني حتمًا سأعود،
فـرَحِمُ غزة لا يُغلقُ على الأموات،
رحِمُ غزة لا يعرفُ العقم،
رحِمُ غزة مصنعُ الثوّار،
منبرُ الأوفياء،
وآخرُ الوعودِ الصادقة،
تُولدُ في فوهةِ النار.

الشاعر/لمين مساسط🇩🇿💔

تعليقات

المشاركات الشائعة