"رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية: من أجل نهضة فكرية حقيقية"

 




.إلى فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون،

تحية وطنية وبعد،

أكتب إليكم اليوم بصفتي مواطنًا جزائريًا يرى أن الأمم لا تنهض بالشعارات، بل بالعلم والفكر، وأن المجتمعات لا تخرج من الظلمات إلا بوعي أفرادها وإرادتهم في التغيير الحقيقي. الجزائر، هذا البلد الذي دفع ثمن حريته بدماء الشهداء، لا يزال اليوم يواجه تحديات تعيق تقدمه. لا أكتب إليكم بصفتي مهلِّلًا أو مادحًا، ولا بصفتي طالبًا لمصلحة شخصية، بل أكتب لأضع أمامكم واقعًا يتطلب إرادة سياسية جادة، وحلولًا تنبع من روح المسؤولية تجاه الوطن والمواطن.
إن أساس النهضة الحقيقية لا يكون إلا بتقديس العلم والفكر، لأنهما السبيل الوحيد لصناعة أمة قادرة على مواجهة التحديات، لا بالتبعية العمياء ولا بالخضوع لسلطة الجهل. إن المجتمعات التي تعجز عن خلق فضاءات فكرية حرة، وتنظيم منافسات معرفية جادة، هي مجتمعات محكوم عليها بالانحطاط والتبعية. وإن أخطر ما يواجه الجزائر اليوم ليس الفقر الاقتصادي فحسب، بل الفقر الفكري الذي يعمّق الأزمات ويجعل البلاد عرضةً للاستلاب والاستعمار بصوره الحديثة.
إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الجزائر اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية أو سياسية، بل أزمة فكر ووعي. المثقف ليس مجرد شاهد على الواقع، بل هو المحلل والمُوجه، والطبيب الذي يشرّح أمراض المجتمع ليصف له الدواء. لكن في ظل غياب بيئة تحترم الفكر وتكرّس حرية التعبير، كيف لنا أن نصنع أجيالًا قادرة على حمل مشعل النهضة؟ إن بناء الدولة الحديثة لا يكون إلا بإعلاء قيمة العقل، وتعزيز ثقافة الحوار، وإعطاء المفكرين والمثقفين دورهم الحقيقي في صناعة القرار. أنتم اليوم أمام مسؤولية تاريخية، فإما أن تضعوا الجزائر على سكة الحداثة والنهضة، وإما أن تبقى البلاد تدور في فلك الأزمات المتكررة التي تستهلك طاقاتها وتعيق مسيرتها.
إن الجزائر بحاجة إلى مشروع وطني يعيد الاعتبار للثقافة والفكر، ويفتح الباب أمام نهضة تعليمية حقيقية. لا يمكن لدولة أن تبقى صامدة أمام التحديات دون قاعدة فكرية متينة. وإن كانت الجزائر قد صمدت لعقود بفضل روح المقاومة والتضحية، فإن المرحلة القادمة تتطلب أدوات أخرى، أهمها المعرفة والوعي. نحن لا نطلب المستحيل، ولا نبحث عن أوهام، بل نريد جزائر قوية بعقول أبنائها، مستقلة بقرارها، قادرة على أن تكون نموذجًا يُحتذى به في العالم العربي والإفريقي.
إننا، كشباب ومثقفين، لا نطلب سوى فسحة لنُعبّر، ومساحة لنُبدع، ويدًا تُمد لنا لنبني هذا الوطن معًا. فالجزائر أكبر من أي شخص، وأهم من أي منصب، ومستقبلها يجب أن يكون أولوية الجميع. إن أملنا فيكم كبير، لكن التاريخ لا ينتظر المترددين، بل يُخلّد من يملكون الشجاعة لاتخاذ القرارات المصيرية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المواطن: لمين مساسط🇩🇿



تعليقات

المشاركات الشائعة